كيف تصطاد المخابرات الاسرائيلية عملائها عبر الانترنت
بقلم / دكتور سمير محمود قديح
باحث في الشئون الامنية والاستراتيجية
هذه القصة لشاب فلسطيني تم اصطياده من
قبل المخابرات الصهيونية عبر شبكة الإنترنت ، فسقط في مستنقع العمالة حتى
تم كشفه على من قبل أحد أجهزة الأمن الفلسطينية ، الذي بدوره قدمه للعدالة
لينال جزاءه.
البداية
ولد (ج.ن) في عام 1978م في إحدى المدن الفلسطينية بقطاع غزة، ونشأ في أسرة
مستورة يبحث فيها الوالد عن لقمة العيش لأبنائه من خلال عمل بسيط يقتات
منه.. لم يكن الوالد أكثر من أي والد يظهر أن دوره ينحصر في توفير لقمة
العيش والمصاريف المدرسية أو الجامعية دون أي بعد تربوي أو لمسة دينية
يحتاجها كل ابن.
ترعرع (ج.ن) وما أن ذهب إلى المدرسة حتى بدأ يشاهد الأطفال من أبناء جلدته
في حالة استنفار دائم، فهم يقارعون الاحتلال بأكفهم وحجارتهم الصغيرة على
الطرقات في انتفاضة 87 ولأنه تعلم من أبيه أن يكون ابن كل مرحلة فإنه شارك
في أعمال الانتفاضة، ومع دخوله المرحلة الثانوية بدأت بشائر استلام السلطة
الفلسطينية زمام الأمور بعد اتفاق اوسلو، وبدأت الحركة المجتمعية والتغيير
السياسي والاقتصادي والاجتماعي من حوله وأصبح كل ما يهمه في هذه القضية
السؤال عن مستقبلها.. الكل أصبح يفكر في غده فصديقه س.ر قد وعد من عمه
بمنحة في الخارج وصديقه (ع.ي) وعد من خاله بدورة ضباط أما هو فلا عم يعد
ولا خال يتعهد، فكر "بطل" قضيتنا أن يعتمد على ذراعه خاصة وأنّه (فهلوي)
يلعب بالبيضة والحجر كما يعتبر نفسه، أنهى الدراسة الثانوية العامة بنجاح
عام 1996 ، ثم دخل الجامعة ليتخرج منها عام 2000م ولكن بمجرد أن أنهى
الدراسة الجامعية بدأ الكير ينفخ في جمرات انتفاضة الأقصى التي ما لبثت عن
اشتعلت نارها من جنوب القطاع إلى شمال الضفة ورغم أنّه اعتاد على أن يكون
من أبناء كل مرحلة إلا انه أصيب باليأس والإحباط، فهو غير معني بقضية
شعبه، وغير مكترث لما يدور حوله.. أراد أن يهرب من واقعه، لنسيان أنه قد
وصل إلى مرحلة التقاعد قبل أن يجد وظيفة، حاول أن يبحث عن حل لمشكلة
البطالة بـ "البيضة والحجر" إلا أن البطل "الفهلوي" لم يجد سوى الانترنت
صديقاً مخلصاً وجليساً مسلياً، أعطاه كل وقته، وأنفق عليه كل نقوده، لا في
مجال المعلوماتية "فهذه موضة مدّعي الثقافة (!)"، وإنما في مجال الدردشة،
فهي أفضل دواء للملل وأفضل أنيس في الوحدة، بدأ يراسل من يعرف ومن لا
يعرف، كل من في غرف الدردشة يمكن أن يكونوا أصدقاء، عرباً أو أجانب ، فتية
أو فتيات، أصبح يتبادل المعلومات الشخصية المزيفة بداية فكيف سيعطي
معلومات سليمة وهو الشاب الفهلوي واستمر على هذا الحال لأسابيع عدة.
اهتمام رجل المخابرات به
لم يتوان (ج.ن) في أن يقول قصته عبر الانترنت مع كل من يعرف وأصبح ايميله
كرقم التلفون ولولا الإمكانيات لطبع الكروت الشخصية. لم يكن العميل (ص)
ليهتم شخصيا بإيميله الذي أعطاه إياه فهو ليس من هواة الانترنت وإنما من
هواة الديجيتال إلا أن ولاءه وإخلاصه لضابط المخابرات الصهيوني أبو هارون
حتم عليه أن يعطيه هذه المعلومة التافهة.
أخذ أبو هارون المعلومات الشخصية الخاصة بـ (ج.ن) وأخذ ايميله أيضا من
خلال العميل (ص) ووضعها في درج مكتبه المكدس بالكثير من هذه المعلومات فهو
درج المعلومات التافهة لقد كان أبو هارون منشغلا بمتابعة أخبار إحدى
المجموعات المسلحة الناشطة منذ بدء انتفاضة الأقصى المباركة، حاول مرات
ومرات أن يصل إليهم إلا أن احتياطاتهم الأمنية حالت دون ذلك، وفي إحدى
الليالي وبينما أبو هارون يبحث عن حل لهذه المعضلة فإذا به يضرب رأسه ضربة
أسقطت طاقيته السوداء الصغيرة وقال لنفسه: إن ايميل (ج.ن) معي وبحسب
المعلومات الشخصية له فإن ابن عمه قائد المجموعة المسلحة، طلب أبو هارون
من العميل (ص) معرفة العلاقة التي تربط (ج.ن) بابن عمه وأمهله يومين
لإحضار المعلومات الدقيقة، وقبل انتهاء المدة اخبر العميل (ص) أبا هارون
أنهما شديدا الصلة فعلاقاتهما قوية إلا أن (ج.ن) غير مكترث بأي عمل نضالي
أو وطني فهو يشغل وقته بالانترنت محاولا نسيان هم البطالة.
علم أبو هارون أن (ج.ن) هو السبيل الوحيد لقائد المجموعة المسلحة وابن عمه
وصديقه وبدأ يدرس كيفية الوصول له وإسقاطه ولم يكن لـ (ج.ن) أي سبيل فهو
لا يقترب من المخدرات، أو حتى الدخان، وليس له علاقات نسائية، ويصعب
إسقاطه فهو ليس بالصغير أو عديم الخبرة فهو الآن حوالي 26 عاماً وحاصل على
شهادة جامعية، إلا أن الكمبيوتر الشخصي لأبي هارون أوضح أن هناك سلبيتين
فقط تصلحان لان تكونا الطريق إلى (ج.ن) انهما البطالة والانترنت.
.